فقه التصوّرات: رؤية جديدة لبحث المستخدم في العالم الاسلامي

ليست مشكلتنا في نقص البيانات، بل في عدسة الرؤية. فقه التصوّرات لا يجيب عن سؤال: ماذا يريد المستخدم؟ بل يعيد طرح السؤال الأعمق: كيف يفهم هذا العالم أصلًا؟

قبل ايام شاهدت سلسلة قصيرة للدكتور نايف بن نهار تحت اسم فقه التصوّرات، طرح بسيط لكنه يحمل عمقا كبيرا، خلاصة ماجاء فيها حسب فهمي هو:


أن ما نحمله في أذهاننا من تصوّرات عن العالم، هو ما يُنتج سلوكنا، ومواقفنا، وأحكامنا، وحتى شعورنا بما هو “طبيعي” أو “غريب”.

فالتصوّر ليس رأيًا شخصيا بل هو الصورة الذهنية التي نرى بها العالم. وهي تسبق المعتقد حتى، فالقرآن نفسه لا يبدأ بالتكليف، بل بتصحيح التصوّر أولاً، مثال على ذلك قول الله تعالى:

{أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}

الا نفاق يصعب حين تظن أن المال مالُكَ. لكن الله يقول: {مما جعلكم مستخلفين فيه} أنت مستخلف على هذا المال ولست مالكا له. 

تخيّل أبًا يعطي ابنه مبلغًا من المال، ثم يطلب منه أن يشتري بربعه أغراضا للبيت، لن يتردد الابن… لأنه يعرف أن المال من أبيه، ليس ملكه.

مثال آخرً قوله تعالى { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} يصحح تصورنا للعلاقة بين المؤمنين أولا ثم يكلفنا بالاصلاح بينهم، وهناك أمثلة كثيرة في القران.

فالله سبحانه وتعالى قبل أن يطلب منّا الفعل، يعيد تشكيل نظرتنا للقضية، لأنفسنا، للآخر، وللحياة.

لكن ما يميّز فقه التصوّرات حقًا… أنه لا يتوقف عند تحليل ما هو كائن.

بل يسأل أيضًا: 

  • هل هذا التصوّر الذي نحمله… هو التصوّر الصحيح؟ 

  • هل نعيش داخل تصوّرات منطقية، عادلة، إنسانية… أم نحمل تصورات خاطئة لا تبت بصلة لثقافتنا و قيمنا؟


الآن… تخيّل أنك تصمّم تجربة رقمية لمستخدم يعيش في مجتمع عربي مسلم.

وتبني هذه التجربة على تصوّرات مستوردة:

  • عن الحرية

  • عن الأخلاق

  • عن الوقت

  • عن الفردانية

  • عن النجاح بالمقياس المادي البحت

  • عن الذات المنفصلة عن السياق

قد تنجح في تصميم منتجا أنيقًا، سهل الاستخدام، لكنه لا يُشبه المستخدم.

هذا المفهوم أجده يتوافق مع ما أهدف إليه في سلسلة توطين تجربة المستخدم:

أن نبدأ من فهم التصوّر، لا من استيراد الأنماط.

قبل أن نحاول فهم سلوك المستخدم من خلال الأبحاث والمراقبة، لماذا لا نحاول فهم التصور الذي أدى لذلك السلوك من الأصل، وتصحيحه ان كان خاطئاً.

مثال من الواقع: إذا كان المستخدم يتصوّر أن القيمة الحقيقية لمحتواه تُقاس بعدد الإعجابات التي يحصدها، فقد يُحبط ويتوقّف عن النشر إذا لم يحقق أرقامًا عالية رغم جودة محتواه.

هنا يأتي دورنا كمصممين: يمكننا بناء تجربة لا تُقيس نجاح المحتوى بالإعجابات، بل تُشجّع الانتشار العضوي عبر التوصيات البشرية بدل الخوارزميات.

حين نُخفي عدّادات الإعجاب ونجعل المحتوى الجيد يبرز تلقائيًا، نُخفّف الضغط عن صانع المحتوى، ونمنحه شعورًا بأن المنصّة تدعمه.

و هناك أمثلة كثيرة لا يسعنا ذكرها هنا.

فقه التصوّرات ليس أداة وعظية، بل عدسة تحليلية ومعيارية دقيقة لفهم كيف نعيد ربط تجربة المستخدم الرقمية بالتصوّر الذي يليق بكرامته وإنسانيته وقيمه.


نشرة لمين
نشرة لمين

نشرة أسبوعية تُعنى بكل ما يخص التصميم وأسلوب الحياة. تقدم النشرة محتوى متنوع، تجارب شخصية، أخبار التصميم، أحدث الأدوات والتقنيات و الكثير.